محمد خروب
فيما تتواصل الاستعدادات لعقد اجتماعات «استانا» في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، بدا اعلان الجماعات المسلحة التي وقع بعضها اتفاق الهدنة الساري المفعول منذ الثلاثين من الشهر الماضي حتى الان وتلك التي استبعدت من التوقيع او تمنعت عن توقيعه. ظنا منها انها ستتوفر على هامش مناورة يسمح لها تحقيق «مكاسب» تنظيمية او افضلية لدى داعش او النصرة، بعد ان تم تثبيتهما كتنظيمين ارهابيين، رغم كل المحاولات التي بذلتها–في السر والعلن – اطراف اقليمية ودولية لاستثناء «النصرة»، كونها غيّرت اسمها الى «فتح الشام» وقطعت علاقاتها التنظيمية مع «القاعدة» التي هي فرع له في بلاد الشام... كانت وما تزال. لكن مساعي هذه العواصم – وبينها عربية – لم تتكلل بالنجاح، ما اصابها بنكسة مزدوجة، اضيفت الى هزيمتها الموصوفة باستعادة حلب وحدتها وعودتها الى حضن الدولة الشرعية، وايضا بعد الاستدارة (الجزئية حتى الان) التي قامت به انقرة لصالح التخلِّي عن دعم ارهابيي حلب وبالتالي تسريع هزيمتهم وان كانت بدت (بعد الهزيمة خصوصا) وكأنها تضغط من اجل السماح بخروجهم من شرقي المدينة، اثر تأكدها ان «سحقهم» او استسلامهم لم يعد مشكوكاً فيه.
نقول: فيما تتواصل هذه الاستعدادات وتزداد التوقعات حول مدى التقدم الذي ستحرزه لقاءات استانا، وبخاصة بعد ان بات مؤكدا عدم وجود الولايات المتحدة على طاولة المباحثات كذلك الاتحاد الاوروبي ورهط من الدول العربية، كانت ذات شأن في مفاوضات ولقاءات سابقة، وخصوصا بعد سقوط رهاناتها على تحويل حلب الى عاصمة لدولة «الشمال السوري»، فان اعلان المبعوث الخاص لسوريا دي ميستورا عن عدم حضوره هذه اللقاءات، لا يقدم كثيرا ولا يؤخر، نظرا لان لقاءات استانا لن تكون بديلا عن مسار جنيف كما اعلنت موسكو اكثر من مرة، ناهيك عن ان هذه اللقاءات – ان نجحت – ستكون حلقة اولى في سلسلة حلقات، يمكن لجنيف ان تظفر في النهاية بان تكون المكان الذي تُوقِّع الاطراف السورية المعنية بروتوكولات واتفاقات المصالحة النهائية. وان كانت المسألة تحتاج الى وقت غير قصير ، لان اطرافا عديدة ستخرج منه خاسرة ومهزومة، وهي لن تُسلّم بذلك بل ستبذل كل ما في وسعها لتخريب هذه الاتفاقات او نسفها او تأجيلها، والرهان على مجموعات ارهابية ما تزال في خدمتها او تقوم هي باستيلادها، كما فعلت مع تنظيمات وفصائل، اغدقت عليها الاموال والسلاح والفبركات الاعلامية.
هنا تحضر «حكاية» تجميد اي «علاقة لها بمفاوضات استانا التي خرجت علينا بها، مجموعات مسلحة، بعضها كان من ضمن المجموعات السبع التي وقعت اتفاق «انقرة»، وضمّت اليها مجموعات صغيرة لا تأثير لها، فقط كي تبدو وكأنها تحوز على تأييد كبير من قبل هذه المجموعات التي «اشترطت»، «التزام النظام وحلفائه بكافة بنود الاتفاق»، معتبرة ان إحداث النظام وحلفاؤه لاي تغييرات في السيطرة على الارض، هو اخلال ببند «جوهري» في الاتفاق، ترى هذه المجموعات «ان الاتفاق سيكون بحكم المنتهي، ما لم تتم اعادة الامور وعلى مسؤولية «الضامن» الى وضعها قبل توقيع الاتفاق، وإلاّ – وهذا ما جاء في نص بيان المجموعات اياها – فانها ستطالب كل الفصائل الحرة العاملة في الداخل السوري بنقض الاتفاق واشعال الجبهات».
كلام كبير لكنه انشائي يفتقر الى القوة والقدرة على تنفيذه، ويكشف ضمن امور اخرى، مدى الازمة الكبيرة التي بدأت تعيشها هذه المجموعات بعد ان تقلّصت المساحات الجغرافية والحيوية التي كانت تسيطر عليها خصوصا في ارياف دمشق، وتحديدا في منطقة وادي بردى، الذي ارتكبت فيه هذه المجموعات خطيئتها الكبرى عندما قامت بتسميم مياه نبع الفيجة الذي يغذي العاصمة دمشق بسكانها الذين يناهزون ستة ملايين نسمة، ما ادى بالجيش السوري الى تجريد حملة عسكرية لطرد هذه المجموعات – وعلى رأسها جبهة النصرة/فتح الشام، من هذه المنطقة الحيوية وايضا للابقاء على تدفق المياه الى احياء دمشق كافة.
هل قلنا النصرة؟
نعم.. يزعم المسلحون الذين سطّروا بيان «التجميد»، بعدم وجود عناصر لفتح الشام وتنظيم الدولة الاسلامية (يقصدون داعش) في منطقة وادي بردى، وانها – المجموعات – قامت بطرد تنظيم «الدولة» (وليس النصرة كما تلاحظون) من منطقة جيرود، منتصف كانون الثاني الماضي، وبشكل نهائي بعد تدمير مقراته وتشريد عناصره».
لكن البيان لم يُشِر الى النصرة/فتح الشام، وتولى ابو هشام القلموني قائد النصرة في تلك المنطقة فضح «الطابق»، عندما غرّد يوم امس بان»... قوات جبهة فتح الشام افشلت هجوم الروافض وان جثثهم في الشوارع، وانه اعطب دبابتين»، ما يمنح ربح اسناد لِرواية الدولة السورية، التي هي في حِل من الالتزام بأي هدنة مع داعش والنصرة/فتح الشام، كما نص على ذلك اتفاق انقرة.
وادي بردى سيتحرر في النهاية،عبر «حرق» آخر ورقة ابتزاز لهذه المجموعات في محيط دمشق، وقبل وصول الوفود الى استانا، والجماعات التي «جمّدت» الاستعدادات، ستجد نفسها معزولة، ليس فقط لانها غدت بلا تأثير، وانما ايضا لان هناك من المسلحين وقادتهم ما يرى ان الاتفاق ما يزال صامدا، وان حجم الضعف الذي باتوا عليه، لا يسمح لهم بترف التجميد او المقاطعة.
... ماذا عن «هيئة» رياض حجاب؟.
.. الأيام القريبة ستجيب.
[email protected]